سنتعرف اليوم على الكيفية التي تم بها اختبار نظرية النسبية على مستوى مبدأ التكافؤ الأساسي، في الحقول الجاذبية القوية، إضافة لتقديم لاختبار وضع علماء فكرته وهم يقضون وقت راحتهم في مسبح!
لقد تمت الاختبارات العديدة لاظهار مبدأ التكافؤ منذ البداية. وقبل ان يقوم اينشتاين نفسه بوضع المبدأ، قام بارون مجَري يدعى "رولاند فون إيوتفوس" Roland von Eötvös وزملاؤه باستخدام أداة دقيقة تعرف باسم"بندول اللي" torsion pendulum ليظهروا أنه في حقل جاذبية ما، فإن مواد لديها أوزان مختلفة ومكونات مختلفة يكون لها نفس التسارع بنسبة تقريبية تصل الى حد أجزاء قليلة من المليار. هذه المواد في الفراغ - سواء أكانت ريشة أو حتى كرة بولينج- هي عرضة للسقوط بنفس المعدل. وسميت فيما بعد "تجارب إيوتفوس" وقد وفرت تأكيدا لمبدأ التكافؤ، و ما تزال هذه التجارب تتم حتى يومنا هذا.
ومن الجدير بالذكر هنا أن تجارب "إيوتفوس التقليدية" هذه تختص فقط بالأجسام ذات حجم يناسب المختبر.
لكن هل ستبقى النسبية العامة صحيحة بالنسبة للأجسام التي لديها جاذبية هائلة مثل الكواكب؟
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال قام "نيل أرمسترونغ" خلال "الهبوط القمري لأبولو 11 " بوضع "عاكس" على سطح القمر، هذا العاكس بالاضافة الى عاكسات أخرى قد وضعت على سطح القمر من قبل بعثات اخرى في اوقات لاحقة . مما سمح للعلماء على الأرض بالقيام بتجارب "قياس المسافة عبر الليزر" laser ranging experiments وتتم هذه العملية عن طريق اطلاق شعاع من الليزر الى سطح القمر وقياس الوقت الذي يستغرقه الشعاع نفسه في العودة. وبحلول عام 1971، تمكن العلماء من قياس هذه الأوقات ذهابا وإيابا، وقد استغرقت حوالي ثانيتين ونصف الثانية، بدقة واحد على مليار من الثانية.
ولقد كشفت ايضا تجارب "قياس المسافة عبر الليزر" أن الأرض والقمر يسقطان نحو الشمس تقريبا بنفس التسارع. ("تقريباً" هنا تعني شبه متطابق، حيث تصل الدقة لحوالي 7 أجزاء لكل 10 تريليون جزء). وباختصار، فإن مبدأ التكافؤ لآينشتاين يطبق على الاجسام العملاقة، و الحسابات النظرية باستخدام النسبية العامة تشير إلى أنها تنطبق حتى على الأجسام ذات الكتل الأعظم.
"بعبارة أخرى، حسب نظرية النسبية العامة، فإن ثقبا أسود و كرة ألومينيوم يسقطان بنفس التسارع"، و هو ما ذكره كليفورد وِيل Clifford Will في كتابه "هل كان آينشتاين على حق؟" ?Was Einstein Right.
النجوم النابضة الثنائية
في عام 1974، اكتشف الفيزيائيان "راسل هولس" Russel Hulse و "جوزيف تايلور" Joseph Taylor من جامعة "ماساتشوستس" جسماً في أعماق الفضاء ,- حقيقة كانا جسمين يدوران حول بعضهما البعض، الذي تبين أنه يشكل مختبرا حقيقياً لتجارب النسبية العامة. إنه نجم نابض ثنائي binary pulsar. النجوم النابضة هي نجوم نيوترونية تدور حول نفسها بسرعة لذلك تنبعث منها نبضات راديوية ذات تردد دقيق. و قد مكن ذلك العلماء من استخدام هذه الإشارات لقياسات دقيقة للغاية للحركة المدارية للنجوم النابضة، إضافة لاختبارات بالغة الدقة للنسبية العامة.
تمت ملاحظة أشهر هذه القياسات لاول مرة في عام 1979، وهو قياس للانكماش الصغير والثابت للمدار، الناجم عن فقدان الطاقة و تحولها الى موجات الجاذبية. هذه الموجات هي احدى تنبؤات النسبية العامة الأكثر اثارة للاهتمام، وقد جاءت القياسات مطابقة تماما للتوقعات، ونال بفضلها هولس وتايلور جائزة نوبل في الفيزياء عام 1993.
نجم هالس وتايلور النابض الثنائي هو عبارة عن نجمين: نجم نابض والاخر نجم نيوتروني غير مصدر للموجات الراديوية radio-quiet neutron star. ولكن في عام 2003، اكتشف العلماء نجما نابضا ثنائيا – هو عبارة عن اثنين من النجوم النابضة التي تدور حول بعضها البعض.- هذا النجم النابض الثنائي الذي يسمي PSR J0737-3039A/B- يشكل، حتى الآن، أفضل نظام اكتشف للقيام باختبارات "حقول جاذبية قوية " للنسبية العامة. قام فريق من العلماء بقيادة مايكل كرامر Michael Kramer، وهو فيزيائي في "مرصد جودرل بانك" Jordell Bank Observatory في ماكليسفيلد Macclesfield، بالمملكة المتحدة، بإجراء ما لا يقل عن أربع اختبارات مستقلة من للنسبية العامةاعتمادا على هذا النجم النابض المزدوج. التحليل الأكثر دقة، المتعلق بمفعول شابيرو Shapiro delay، أكد التوقعات التي أطلقتها معادلات النسبية العامة بدقة 0.05 في المئة. أكد الفريق أيضا الانكماش المداري الناتج عن موجات الجاذبية الذي شاهده لأول مرة "هولس وتايلور". وأظهرت هذه النتائج أنه حتى في مجال الجاذبية القوي بشكل لا يمكن تصوره للنجم النابض – نجم قد لا يتجاوز قطره 10 أميال لكنه فد يزن أكثر من الشمس بحد ذاتها- فان نظرية آينشتاين التي يبلغ عمرها قرناً من الزمان تبقى صحيحة بشكل تام.
المفعول الجيوديسي و تباطؤ الإطار المرجعي
في عام 1959 راود حلم القيام باحد الاختبارات الهامة في النسبية العامة –في الحقيقة هما اختباران في آن واحد - ثلاثة علماء بينما كانوا يسبحون في مسبح جامعة ستانفورد. وأصبح أحد أطول المشاريع في تاريخ ناسا، مع إعلان النتائج أخيرا في عام 2011. الهدف من التجربة، المعروفة باسم "Gravity Probe B"، كان القيام باختبارين اثنين من التنبؤات الرئيسية المستمدة من النسبية العامة: احداها ينص على أنه ينبغي أن يحدث تشوه للزمكان حول جسم ضخم، والآخر أن الاجسام الدوارة مثل الأرض سوف تسحب -حرفيا- الزمكان من حولها خلال دورانها، مثلما يقوم خلاط المطبخ بسحب فطيرة العجين حين يدور.
تتعرفون على تفاصيل هذا الاختبار و نتائجه في الحلقة الخامسة و الأخيرة من سلسلتنا "كيف تم إثبات نظرية النسبية العامة؟"
ترجمة: Elie Khoury
مراجعة: Aya Ghanem & Antoni
تصميم: Charm Quark